لم ينقطع الاستقرار البيزنطي الذي دام حوالي ثلاثة قرون، إلا بالجيش الساساني الفارسي الذي وقف تحت أسوار المدينة عام 614م، مقتحما المدينة بالقوة، مدمرا الكثير من كنائس المدينة سواء الواقعة خارج أسوارها او داخلها، بالإضافة إلى تدمير تحصيناتها.وكان لسقوط القدس، في هذا العام في أيدي الفرس، صدا عالميا لم تعرفه من قبل، فالأمر ليس فقدان جزء من أراضي إمبراطورية عالمية، بل فقدان أقدس مقدسات المسيحية، والصليب المقدس، وقبر المسيح ومهده.لكن هذه السيطرة لم تستمر طويلا، ولم تسفر عن أي نشاط معماري يذكر، سوى محاولة المدينة لملمة جراحها الدامية وتنظيف الركام ومحاولة ترميم بعض الكنائس الهامة. أما الفرس فقد تصرفوا كغزاة، ولم يقدموا للمدينة أي شيء سوى الدمار والمذابح.
تذكر المصادر مذبحة كبيرة تمت لرجال الدين والرهبان والكثير من المؤمنين المسيحيين عند بركة ماميلا، حيث تقع اليوم بقايا مقبرة ماميلا الإسلامية. وتتحدث المصادر المسيحية أن عدد القتلى قد وصل إلى 33,877، هذا عدا عن الأعداد الكبيرة للأسرى الذين نقلوا إلى المدائن (طيسفون) عاصمة الساسانيين.
ولم يمر على الغزو الفارسي خمسة عشر عاما، إلا وقد كانت خيول الإمبراطور هرقل (هرقليوس) تباعد الخطى عام 628-629م باتجاه المدينة، مستردة القدس ولتعيد ضمها إلى حضن الإمبراطورية. وشرع، تحت إشراف بطريرك القدس موديستوس، بإعادة بناء ما دمره الغزو الفارسي من كنائس وتحصينات، وذلك عبر القيام بحملات جمع الأموال من المؤمنين في الإمبراطورية البيزنطية، وتابع المهمة من بعده البطريرك صفرونيوس، الذي سيلعب دورا هاما في تاريخ المدينة خلال السنوات القادمة. ولكن وقبل ان ينتهي من هذه المهمة الشاقة، إلا وقد وقف أبو عبيدة عامر بن الجراح، الذي قاد الحملة العربية الإسلامية على بيت المقدس باسم الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب عام 636م، تحت أسوار المدينة مفاوضا بطريركها الاستسلام للقوات العربية الإسلامية الفتية التي كانت قد أحكمت سيطرتها على غالبية بلاد الشام ولم يبقى إلا بعض المدن والجيوب المتفرقة، ومن ضمنها القدس، التي تركت للمرحلة الثانية من عملية الفتح. هذه القوات لم ترسم مستقبل القدس للقرون الأربعة عشر القادمة فحسب، بل رسمت أيضا تاريخ أجزاء واسعة من العالم أجمع.