اللباس الشعبي

اللباس الشعبي

يمكن تقسيم اللباس الشعبي في فلسطين إلى ثلاث مجموعات رئيسية: اللباس المدني، واللباس القروي، واللباس البدوي. صحيح أن القدس مدينة إلا أنها لم تخلو من مقيمين من الأرياف، بحيث شكل لباسهم جزءا من المشهد الثقافي في القدس، خاصة وقد التصقت القرى بالمدينة من كل الجهات، فعلى سبيل المثال لا تبعد قرية سلوان أكثر من 300 متر عن أسوار البلدة القديمة.

 

لبس رجال القدس، قبل الدخول التدريجي للباس الغربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، نفس لباس رجال مدن بلاد الشام. تشكل هذا من سروال فضفاض من الصوف شتاء او من القطن او الحرير او الكتان صيفا، وكان لون السروال أسودا بالأساس، وقد يكون لونه بنيا او رماديا او أزرقا غامقا. أما الجزء العلوي من الجسم فقد غطي بقميص فضفاض عليه بعض التطريزات، بالإضافة الى أنواع مختلفة من الجاكيتات والعباءات. ولبس آخرون القمباز، وهو عبارة عن قطعة قماش واحدة تغطي الجسم كله من الرقبة حتى أخمس القدمين، تلتف حول الجسم. أما الخصر فقد شد برباط عريض من القماش المزركش. وغطي رأس الرجال في القدس إما بالطربوش العثماني العالي، او بطربوش منخفض تلتف حوله قطعة قماش مزركشة، او بالكوفية باللون الأبيض او الأبيض والأسود.

 

أما نساء القدس (المدنيات)، فقد لبسن في المناسبات ثوبا طويلا يغطي كل الجسم، مصنوعا من المخمل باللون الليلكي او الخمري مطرز بأشكال نباتية من وريقات وأغصان وأشكال هندسية وذلك بخيوط ذهبية، أما الرأس فقد غطي بغطاء شفاف من الحرير مطرز بخيوط ذهبية. سمي هذا اللباس "الصرمة"، اشتهر هذا الباس في المناسبات، وقد ساد في المدن العثمانية ومنها القدس.كما لبست نساء القدس ملابس مدن بلاد الشام، والمشكل من معطف خفيف باللون الأسود (كاب) يصل إلى الركبة، وغطي الرأس بغطاء أسود، يتدلى منه أمام الوجه غطاء أسود شفاف. أما النساء المتقدمات بالسن، فقد لبسن تنورة فضفاضة طويلة باللون الأسود او الأبيض او الأزرق الداكن، وفي القسم العلوي قميص أبيض فضفاض، وغطين الرأس بقطعة قماش شفافة (شاشية)، في حين بقي الوجه مكشوفا.أما الحلي فقد تشكلت بالأساس من المجوهرات الذهبية، سواء العقود او الأساور او الأقراط، وكانت هذه تتغير تبعا لتغير الموضة في الدولة العثمانية، ولاحقا في العالم. وقد تلبس بعض نساء القدس الحلي القروية والبدوية المصنوعة من الفضة.

 

أما نساء الريف المقدسي فقد كان لكل قرية لباسها الخاص، والذي يمكن تميزه بسهولة عبر شكله وتطريزاته، وهو الذي اشتهر باسم الثوب الفلسطيني المطرز، وفي كل قرية سمي باسم مختلف. وبهذا تمتلك فلسطين العشرات من الأثواب النسائية المتنوعة، وبالتأكيد يمكن تميز الساحل عن الجبل وتميز الشمال عن الوسط والجنوب، كما يمكن تقسيم الأثواب إلى مجموعات بناء على شكل التطريز او على نوع القماش المستخدم. ولم يقتصر التنوع على الثوب بل تعداه إلى غطاء الرأس والحزام والجاكيت، هذا عدا عن الحلي. لذلك حمل الثوب النسائي الفلسطيني أسماء متعدد، فقد سمي في كل من قرى سلوان ودير ياسين والمالحة "غبانة"، وفي العيزرية "أساوري" (ثوب ابو قطبة)، وفي قرية لفتا سمي "جنة ونار"، في حين سمي في منطقة بيت لحم "ثوب ملك"، وسمي في رام الله "الثوب الرومي" وهو إما أبيض او أسود.

 

تشكل الثوب الفضفاض بشكل عام من قماش قطني او حريري ليغطي الجسم كله من الرقبة حتى القدمين، وطرز بشكل مكثف على الصدر ومحيط الرقبة والأطراف والكمين، وذلك بخيوط حريرية وذهبية وبألوان مختلفة، بأشكال بالأساس نباتية مكونة من أغصان وأزهار ووريقات وخطوط مستقيمة ومتعرجة او ملتفة. ويتم عادة وصل الأجزاء المختلفة للثوب بأشرطة زخرفية. ويمتاز هذا الثوب بصغر القطبة ودقتها المتناهية، بحيث يبدو في النهاية لوحة فنية.أما غطاء الرأس فقد تنوع بشكل كبير أيضا بحيث كان لكل قرية غطاء مختلف، يتراوح ما بين قطعة قماش بسيطة مطرزة أطرافها بزهرات او وريقات نباتية بألوان متعددة (مثل لفتا)، او طاقية (طربوش/الشطوة) أحمر داكن (خمري) مرتفع ثبتت عليه قطع نقدية معدنية من الذهب والفضة بالإضافة إلى الخرز، ومن الخلف طرزت الطاقية بنفس تطريز الثوب، ويتدلى فوق الطاقيةقطعة قماش بيضاء (بيت لحم). كما لبست النساء في منطقة رام الله الشال الحريري بألوان مختلفة الأبيض والأزرق والبيج المرز بزهرات بخيوط متعددة الألوان، وكان الشال يغطي جزءا من الرأس ويمتد فوق الكتفين ويتدلى من الخلف.وقد تلبس نساء ريف القدس جاكيت قصير مشكل من المخمل الأسود او الخمري المطرز بكثافة كبيرة إما بالخيوط الذهبية او بالخيوط الحريرية الزهرية والحمراء والزرقاء، وذلك بأشكال نباتية وهندسية.كما احتل الزنار مكانا مرموقا في اللباس، حيث صنع من القماش، خاصة الحرير المقلم، او من الكتان المطرز، والتف حول الخصر، وساهم في رفع الثوب حتى لا يجر على الأرض.أما الحلي، فقد تشكلت من أساور وخلاخيل (جمع خلخال) وأقراط وعقود (قلائد) وزنانير. طغى على الريف استخدام الحلي الفضية المطعمة بالأحجار الكريمة، ومن النادر وجود الحلي الذهبية إلا على غطاء الرأس (دينار عثماني)، وتختلف زخارف الحلي من منطقة لأخرى، لكن طغى عليها الزخارف النباتية والهندسية. ومن المثير النظر إلى القلائد التي قد تكون كبيرة بشكل مميز، وقد تحتوي على علبة مزخرفة لوضع الحجب او أدعية. كما استخدمت القلائد والأقراط المشكلة من الخرز او القطع النقدية العثمانية.

 

أما الرجل في الريف المقدسي فقد لبس القمباز المذكور أعلاه وأحيانا السروال، وغطى رأسه بالكوفية. وفي المناسبات الخاصة، لبس القمباز الأبيض او البيج وفوقه عباءة بنية او بيج مقصبة خفيفة في الصيف وصوفية ثقيلة في الشتاء وذلك باللونين الأسود والبني. أصبح الثوب النسائي الفلسطيني المطرز هوية فلسطينية معروفة في كل العالم، بل تسابقت الكثير من المتاحف حول العالم اقتناء مجموعات مختلفة منه، حيث اعتبر قطعا فنية عالية القيمة. كما اقتني هذا الثوب من قبل أعداد كبيرة من جامعي القطع الفنية في العالم.وفي فلسطين هناك عدة متاحف تملك مجموعات حيدة من الأثواب الفلسطينية مثل بيتنا التلحمي في بيت لحم، ومتحف دار الطفل العربي في القدس، وجمعية انعاش الأسرة في البيرة ومتحف جامعة بيرزيت، علاوة على مجموعات فردية كبيرة في مختلف أنحاء الضفة الغربية.

 

أصبح اليوم من النادر مشاهدة نساء فلاحات في فلسطين يرتدين هذا الثوب، لكنه لم ينتهي من الاستعمال اليومي غير التظاهري. اعتادت النساء في فلسطين، وكذلك الفلسطينيات في المهاجر، ارتداء هذا الثوب تعبيرا عن هويتهم وتظاهرا بحقوقهم التاريخية، وقد جاء هذا الأمر من تبعات نكبة عام 1948، حيث دمرت الكثير من القرى التي لبست هذا الثوب، وبقيت النساء يلبسنه بالمناسبات تمسكا بتراثهم وحنينا لوطنهم الأم.