ونتيجة لحرب عام 1948 (النكبة) قسمت المدينة إلى قسمين غير متكافئين. الأول، الذي أصبح يعرف بـ"القدس العربية" وهو الشطر الشرقي من المدينة، والذي أصبح تحت السيطرة الأردنية حتى حزيران عام 1967، والثاني أصبح يعرف بـ"القدس الغربية" حيث وقع تحت الاحتلال الإسرائيلي. لم تشكل "القدس العربية" سوى حوالي 15% من مساحة القدس الكاملة (الحدود البلدية) قبل عام 1948، وبالتالي تحولت القدس الشرقية إلى قرية كبيرة محدودة المساحة، تقع على امتداد خط الهدنة، فاقدة جزئها المتطور ومركزها التجاري الحديث ومصادر تزويدها بالماء والكهرباء والجزء الأكبر من ريفها المنتج لسلتها الغذائية، هذا عدا عن فقدانها لأهم المؤسسات مثل مبنى البلدية والبريد والمحاكم وعدد كبير من المدراس والمستشفيات ومؤسسات التدريب المهني ..الخ. ومرت الحدود الفاصلة للمدينة على امتداد سورها الغربي وجزء من السور الشمالي والجنوبي. كما دمرت أجزاء من البلدة القديمة نتيجة للحرب، وأخليت "حارة اليهود" من سكانها اليهود (حوالي 2500 نسمة)، كما أخليت كل الأحياء العربية في القدس الغربية والقرى المحيطة بها وهجر سكانها الفلسطينيين (حوالي 70.000 نسمة). وتدفقت أعداد كبيرة من اللاجئين من مناطق القدس الغربية وريفها إلى البلدة القديمة و"القدس الشرقية"، مع تدني واضح في القدرة الاستيعابية للمدينة، حالها في ذلك حال باقي مدن الضفة الغربية.

 

لم تساهم هجرة اللاجئين إلى القدس في عملية التنمية، حيث شكل فقراء اللاجئين عامل إضعاف اقتصادي للمدينة، فقد سكن بعضهم في أطلال حارة اليهود الخالية وفي بيوت فارغة أخرى، افتقدت إلى الخدمات الأولية، في حين انتقل أغنياء المهجرين من القدس الغربية إلى عمان النامية حيث ساهموا في تطورها الاقتصادي، كما هاجر بعضهم الآخر إلى دول الخليج العربي ولبنان، ولم يبقى في القدس، شبه المشلولة، إلا فقراء اللاجئين وطبعا سكان البلدة القديمة الذين قد تدنى وضعهم الاقتصادي والاجتماعي قبل الحرب نتيجة لتراكم الفقراء داخلها وتحول الطبقة الوسطى إلى المدينة الجديدة خاصة الغربية. وفي الحقيقة فإن عملية الهجرة من القدس "الشرقية" قد استمرت في العقدين اللاحقة باتجاه شرق الأردن ولبنان وأوروبا والأمريكيتين، وكانت بين الطبقات الميسورة والمتوسطة أعلى منها بين الطبقات الأقل حظا.  

 

شلت القدس القديمة تقريبا في الفترة الواقعة بين 1948 و 1967 ولم تحظى بالعناية الكافية، سوى بعض الترميمات التي جرت في منطقة الحرم الشريف، وتدنى فيها مستوى الدخل وتراجعت حركة السياحة بشكل لم يسبق له مثيل، على اعتبار أنها مدينة مواجهة حدودية، غير معروفة المصير. كما لم تحظى بأية استثمارات في بناها التحتية. صحيح بأن وكالة غوث اللاجئين قد قدمت بعض المساعدات، لكنها لم تتعدى إغاثة مدينة منكوبة.وفي نفس الوقت، تركزت استثمارات المملكة الأردنية في الأجزاء الجديدة من القدس العربية خاصة في منطقة شارع صلاح الدين التجارية وصولا إلى الشيخ جراح وذلك بإنشاء مباني البريد والإطفائية والمحاكم والمحافظة والمستشفى والمدارس....الخ لكن هذه الاستثمارات المتواضعة ما كانت لتخرج المدينة من أزمتها وتهميشها، حتى لو امتلكت الذخائر الدينية والمعمارية التي تحتل مكانة عالمية لا تضاهى.